مرحبا بكم في صفحة حكايات الحب
فــي مـهــب الشمـعــــة …
حين اختطف تلك اللحظات من يومي .. استرق فيها الجلوس إلى تلك الراقصة .. استمتع لموسيقاها و رقصتها .. في ذلك الوقت يكون الليل قد طال .. و هاجت كل مشاعري .. و سكتت كل آلام جسدي المتعب .. و أزرف في لحظتها دمعة .. لا اعلم ما سرها .. تسقط يتيمة دون رعاية أو انتباه أي أحد من أولائك الجامدون .. تسقط حائرة من سبب نزولها .. و أنساها أنا أيضا .. و ادخل في دوامة تلك الراقصة .. التي ما تلبث أن تعود من جديد لرقصتها الشهيرة .. اصفق بكلتا يدي فرحة بما أرى كأني طفلة افرح بهدية اهديه لي .. هذه هي طفلتي .. لأعود و أهدأ من جديد .. حينما أشعر بأنها ستتوقف .. أطالبها بأن تستمر .. في رقصاتها أشعر بأنها أنا .. و بأني هي .. و أتمنى أن تقاوم .. و حينما تضعف أحس بخوف يغزو قلبي من الخسارة .. و عندما تقاوم .. اشعر بأنني كلي قوة للدفاع لأخر رمق أملكه .. و تستمر سهرتنا طوال الليل ..بنفس اللعبة و نفس القوانين .. إلى أن يقتحم ذلك الرجل الحبيب ليلي .. إلى داخلي .. و يطرق أبوابي بابً .. بابً .. ليستجاب له أبوابي و تفتح جميعها .. و يصل لمركز تفكيري ليشله و يتعايش معه بإرادتي .. و اترك نفسي صاغرة له .. و كما تجري الأنهار .. و تشرق شمس و تغيب .. تأتى تلك اللحظة .. و اقترب من الراقصة في نهاية رقصتها المشهودة .. و أحاول لمسها كما افعل دائما .. و يكون الرد بحرقها لي أيضا .. أحاول كثيرا احتضانها لكن حرارتها تجعلني بعيدة عنها .. رباه .. ماذا افعل معها ..؟! لقد يأست من كل شيء !!؟ .. و تبدأ هي بالابتعاد .. و أحاول أن اخذ اتزاني لأودعها .. و تختفي قليلا .. فقليلا .. فقليلا .. إلى أن تظلم غرفتي و أنا وحيد بداخلها .. ليبقى منها ما قد ذاب .. فاقترب منه و احتضنه .. و لكن .. بعد أن ماتت صاحبته ..!! و قد انتهت لعبتها مع الرياح .. بانتصار الأولى .. و لكن .. قدرها قد جاء .. و احمل ما بقي منها و أضعه لبقايا الليالي الماضية و ذكرى رقصاتها .. فإليك وداعي يا شمعتي .. يا شمعة أنارت غرفتي .. و سقطت كما سقط الباقون ..
صرخة صمت
قال شري اتمانندا (عندما يمتليء القلب يرفض اللسان أن يتكلم)
كان رساماًً بارعاً ...
تعلم كيف يتكلم ويطلق أشعاره من خلال لوحاته وريشته وكان نقي القلب طاهر السريرة
وكان كل شيء جميل صادق يستهوي ريشته فيبدع بلوحات تنم عن إحساس جد عميق وعظيم
فكانت الطبيعة صديقته الصادقة والوحيدة التي يشعر معها بالتآلف والتناغم والتوحد الكامل
فكانت للشجرة مكانة عظيمة في لوحاته
وكانت للطيور الحان ساحرة في لوحاته وللزهور رائحة عطره جداً في لوحاته ...
وهكذا كان رسامنا الفتي يبدع الجمال بإحساسه الجميل
تكلمي أيتها الطبيعة ...تكلمي
تكلمي بسحرك ...بتغاريدك ... بالكمال
تكلمي بكلمات لاتقال
وارقصي على لوحات تعزف الجمال
أيها القلب ارتوي من هذا الإبداع
أيها القلب انتشي من خمرة الطبيعة
أيها القلب انبض في كل لحظة آلاف المرات
لهذا الجمال...
وهكذا كان صديقنا الرسام يخرج من منزله قبل بزوغ الشمس بقليل
ليستمتع بسحر شروق الشمس وتناغمه مع الأفق الذي يعبر عن روعته دائماً الصمت الجليل أمامه
وهكذا يبقى لغروب الشمس حتى ينعم قلبه بنهار بدأ يرحل ولليل بدأ يسدل ستائره ...
ثم يعود الى بلدته الصغيرة فيجد دائماً الأصدقاء والأهل بانتظاره
فيتسامرون ويرقصون ويتكلمون ويعزفون وهكذا يقضي رسامنا عادة لياليه
لكنه أبداً لا يضيع بعدها فرصة التمتع بمنظر القمر والنجوم في منتصف الليل ليقضي وقتاً يتمتع قلبه فيه بالليل
أيها الليل...أيها الحزن العميق
أيها القمر...أيها الوجه الرقيق
أيتها النجوم ...التي تتلألأ بالبريق
تكلم ياليلي...فأنا وأنت هاهنا
كلانا في الصمت غريق...
ويمضي صديقنا الرسام أيامه ولياليه في دنيا من جمال وسحر وحب عظيم..
ويأتي نهار يذهب صديقنا كالعادة إلى أحضان الطبيعة ليختار منها مايروق لقلبه ليرسمه ...
فإذا به من بين الأشجار تظهر له بحيرة ذات صفحة رقراقة صافية تبهر البصر...
فإذا بريشته يخرجها ليبدأ معها...إبداعه لكن شيئاً ما يستلفت انتباهه ...
صوت ساحر عذب يطرب آذانه ...
فإذا عينيه تقعان على فتاة جالسة على صخرة
تداعب بأصابعها الرقيقة ماء البحيرة وهي تغني بصوت دافيء رخيم...
فإذا بها تزلزل قلب صديقنا الرسام لا لجمالها
بل هي كانت ليس بهذا الجمال لكن بريقاً ما لامعاً في عينيها الصادقتين ...
عينين هادئتين جميلتين قيدت بهما أحاسيسه وصوتها الذي قيد جوارحه فإذا بريشته تتراقص على اللوحة
التي كان قد قرر صديقنا الشاب أن يضيف عليها شيئاً خاصاً من قلبه من غير ان تتنبه له الفتاة...
لكنه مالبث يرسمها حتى سمع فتاة أخرى تنادي صاحبة الصوت الرخيم والعينين الجميلتين باسمها
فإذا بالفتاة تنهض وترحل ...ويبقى صدى اسمها يتساقط في أعماق قلب صديقنا
وصورتها أمامه لاتبارحه ..لذا قرر أن يعود في اليوم التالي
عله يراها ويكمل لوحته التي بدأت أولى نبضات حب صامت عميق.....
*********
ويعود رسامنا إلى منزله وهو في غاية السعادة ...
سعادة لم يمتلكها قلبه يوماً سعادة تدفعه للشرود طويلاً ورفض الكلام
وإذا به ينظر لأول مرة بعينين فيهما نوع من الحزن إلى القمر
أيها القمر أجبني...هل هي تسكن عندك؟
أيها القمر اجبني...هل هي أختك؟
أيها الليل...بالله خبرني ماهذا الشعور؟
ماهذا الذي أصاب قلبي...ماهاتين العينين اللتين اخترقتا صدري؟
من هي ياليل اجبني...أهي القمر الذي يكون في النهار؟
ويرحل ليكون في حضنك الآن ياليل
آه أي شيء هذا ملكني...فأعجزني حتى عن الكلام
وهكذا قضى الرسام ليلته بين تفكير وشرود...حتى صباح اليوم التالي
الذي كان قد فاته فيه لأول مرة شروق الشمس فإذا به ينطلق نحو اللامكان
متلهف متعطش للحظة التي ستجيء فيها حبيبته ليكمل رسمها ويجلس في مكانه بين الأشجار
عند البحيرة منتظراً مجيئها ويمر وقت طويل...ويقترب المغيب...
وفجأة تظهر الفتاة مرة أخرى وإذا بقلب رسامنا يخفق بشدة وبعينيه تتسمران فيها
وبجوارحه ترتجف ارتجافاً شديداً وهاهي صاحبة الصوت الرخيم بدأت غناءها ...
وبدأ صاحبنا بالرسم ليكمل اللوحة التي كان قد بدأها...
لكن الفتاة ماكانت لتجلس وقتاً حتى تنهض وترحل ..
ويمضي رسامنا وقته في رسم حبيبته التي أضحت كالدم في شرايينه والتي أصبحت كل إبداعه وإحساسه ولوحاته ...
وكذا الفتاة أمضت وقتاً على البحيرة تجيء لفترات قصيرة تحل بعدها..
او تأتي الفتاة الأخرى منادية عليها باسمها الذي بقي صداه ينبض في أعماق قلب العاشق الرسام
ومر يوم كالعادة نهض صديقنا الرسام متجهاًً نحو البحيرة ليلاقي حبيبة تجهله ليكمل آخر مابقي من اللوحة
التي كان قد بدأ رسمها منذ شهور وجاء صديقنا بالموعد التي اعتادت الفتاة المجيء به
لكن الفتاة لم تأتي في موعدها فبقي رسامنا منتظرا مكانه وطال الانتظار
حتى حل الليل على صديقنا وهو ينتظر فإذا به يحس بنوع من الحزن وحدس من القلق...
وشعور كوخز سكين في قلبه لعدم مجيء فتاته...
لكنه لايلبث في اليوم التالي يذهب الى المكان نفسه منتظرا الفتاة لكن خيبة الأمس كانت كخيبة اليوم ...
هو طال انتظاره وهي لم تأتي ...ومرت الأيام ولم تظهر تلك الصورة الرائعة التي أسرت قلب صديقنا الرسام ...
وهاهي الدموع تعرف لأول مرة طريقا حزينا على وجنتيه
اشتقت اليك...وطال الانتظار
اشتقت لعينيك...وطال النهار
اشتقت لكل مافيك...فأين رحلتي؟
ورحلت الأنوار
عودي إليا ...إني مشتاق
عودي إليا...الى لوحاتي وإحساسي
عودي فالوجود من دونك مرار
اشتقت إليك حبيبتي وطال الانتظار
وهكذا حرق الشوق أيام الرسام وأصبحت أيامه مابين غم وحزن وشوق وانتظار وأصبحت الدموع انس لقلبه
ونار حبه وإذا به قرر أن يذهب لأول مرة بحثا عنها وقد قرر انه حينما يجدها يحدثها بكل مافي قلبه ...
لذا قرر صديقنا الذهاب إلى منزلها الذي كان قد عرفه عندما قرر في احد الأيام التي كانت تذهب فيها إلى البحيرة
ان يتبعها وذهب صاحبنا ناحية المسكن الحبيب وكله أمل يختلج في قلبه لرؤياها ويصل الى حيث تبعها يوما
وإذا بقلبه يخفق بشدة من الاضطراب وإذا بجوارحه كلها ترتجف وشعور غامض عميق يسيطر على كيانه ...
ويقترب من الباب ويقف للحظات مطرقا رأسه في التفكير ثم يقرر ويطرق الباب وينتظر حتى يفتح الباب
لكن هذه اللحظات التي انتظر فيها كي يفتح الباب بدأت كأنها سنين طويلة تمر من أمامه
ويسمع صوتا من الناحية الأخرى للباب ليفتح الباب ويبدو أمامه الفتاة الأخرى التي كانت عادة تذهب مع حبيبته
فإذا به يرتعش ويضطرب وأخيرا يسألها عن حبيبته ..بذكر اسمها الذي لطالما عاش في أعماقه
فتخبره المرأة بأنها تزوجت ورحلت عن المكان وأنها لن تعود إلى هنا...
وهكذا جرى الخبر في مسامع صديقنا كالسم في جريانه بالجسم وإذا بكل شيء أمامه ينهار
وكل جمال عرفه ينقلب في عينيه قبيحا وإذا بكل ماحوله يبدو كصورة مهتزة باهتة لاحياة فيها
وإذا بليل صاحبه يصبح موحشا ومؤلما
وغادرت السعادة قلب الرسام ورحل النوم عن جفنيه وأصبحت أيامه تمضي دون أن يعييها او يميز الليل من النهار فيها
وإذا بقلبه المرهف تمزقه الآلام ويغدر به الحب وريشته التي اعتادت العزف مع أنامله أحلى اللوحات
ماعاد بينه وبينها إلا ماشاء الله له ان يذرف من الدموع وهذا مايفعله الحب عندما يهيمن على أعماق القلوب المرهفة والعظيمة
رحلتي بعيدا عن عيوني...وبقيتي لحنا غارقا في شجوني
رحلتي يا أرق نسمات مرت على جبيني
وظل طيف نام على جفوني
ياحبا أطلق جواد جنوني
رحلتي وغادرت معك سنوني
أخذتي كل الحياة وكل الأمل وتركتني لشكوى همومي
آه ياحبيبة لم تلقني...ولقيتها قدرا مصلوبا في عيوني
وهام صاحبنا في الغابات بعيدا عن كل إنسان بعيدا عن كل حياة باكيا صارخا نازفا بحبه في اللامكان
يهذي باسم حبيبته ليلا نهار
وهكذا أصبح الشقاء عمر صاحبنا وأيامه وإذا بكل شيء جميل كان في ناظريه هو قبيح
لايحتمل حتى لوحاته بالنسبة له أصبحت عبئا لايطاق فأخذ الحزن منه كل مجرى
فلم تكن تقع لوحة بين يديه حتى يمزقها ويحطمها حتى أتى على لوحاتها
تلك اللوحة التي كانت سببا في آلامه ودمعه فنظر إليها نظرة شاردة فإذا به أمام اللوحة يركع وينوح
وإذا بصرخة من أعماق جوارحه يطلقها ويمسك باللوحة التي بقيت منها أجزاء لم تكتمل ويرميها على الأرض
ممزقه مشوهة المعالم فما كاد يعي على مافعله بلوحة حبيبته حتى جن جنونه فإذا به يركض بعيدا ...
بعيدا جدا عن كل شيء حتى وصل أخيرا باندفاعه القلبي إلى البحيرة
فإذا به يسقط على الأرض ساخطا على كل شيء واخيرا ينهض بكل مابقي له من قوة مخاطبا
الأرض والسماء معا بكل ماحمله قلبه من حب وأحاسيس...
(رحيلك هو دعوة للصمت لذا قررت الصمت الأبدي حتى يأتي ذلك الوقت الذي يتكلم فيه الصمت نيابة عني
ليخبرك كم كان عظيما وصادقا حبي لك في قلبي)
وهكذا اخذ صديقنا الرسام الصمت عهدا على نفسه بآخر ماتلفظ به لسانه
واخرج قلبه من كلمات وفي أعماق أعماق نفسه أمل
بعيد بأنه سيلقاها مرة أخرى وبدى رسامنا رحلة طويلة مع حب ضائع
وكلام لايقال.......
*********
فها هو يتجه نحو الصخرة على حافة البحيرة وقد أخذ قراراً بأن ينقش صورة حبيبته التي هي منقوشة في أعماقه على الصخرة
وهكذا بدأ عمله بصمت مهيب وإرادة لا تلين أصبحت الصخرة لصاحبنا كل مافي الحياة ...
وأصبح عمله هذا كل شيء يعيش لأجله ونقل إحساسه الذي لايموت بالحب إلى هذه الصخرة بلوحه تكاد تنطق بالجمال والإحساس بالحزن والأمل والصدق وراح يمزج بين لوحته الصخرية ودمه ...وإذا به يعطي هذه اللوحة من دمه لونا احمر قرر ان يكون اللون الذي يعبر عن كل مشاعره وهاهي أولى الجراح على جسده قد بدأت كما بدأت من قبل جراح روحه...
ومضت الأيام وصاحبنا الذي دخل زمن الصمت كان يقضي أيامه على البحيرة بجانب صخرته العزيزة التي كانت انيسه الوحيد وسلواه وهكذا غدا العمر لديه أسوأ من طعم الموت وبدا كل شيء حوله موحش لا أحاسيس فيه ولا جمال وأطلق عبراته وأنينه في صمت الليل وأخيرا ماعاد في مكانه المحبوب ومسكنه الجميل وسهراته العذبة أي معنى وأي وجود وقرر الرحيل تاركا كل مايصله بهذه الذكرى الحبيبة...
سأمضي مع الأفق...سامضي سفينة من غير بحار
سأمضي مع الغروب ليلا من دون نهار
آه...أيتها الذكريات مابقي منك غير المرار
غير عابئ بالحياة من بعد ماهاجرت منها فتاته ولم يأخذ معه شيئا غير انه ماكان ليفارق تلك الصخرة
التي أصبحت له حبيبة وعشيقة لذا قرر ان ترحل معه وتكون معه أينما ذهب لذا بحث لها عن سلسله يربطها بها ويجرها وراءه
وهكذا هاجر رسامنا والصخرة نحو اللامكان ...نحو اللازمان وكان دائما يسير في طريقه ممسكا بالسلسلة التي تجر الصخرة لذا كان سيره دائما بطيئا ومؤلما لكن جسده هذا ماكان ليعتبر بأنه يجر وراءه صخرة بل كان يعتبرها كروح حبيبته وروحه التي نقشها عليها لذا كان الجسد يسير والروح بالنسبة له هي الصورة الحبيبة التي على الصخرة وكان كل ثلاثين يوما يعيد حياة اللون الأحمر الى لهذه الصخرة
وهكذا كانت الجراح في أنحاء جسده تزداد أكثر فأكثر...
وكانت تجاعيد العمر والقلب تزداد شيئا فشيئا وهكذا قضى صاحبنا الرسام أيام بإرادة صمت جليلة لايكلم فيها نفسا ولا إنسا وبحزن وحب عميق صادق ...فكانت الدموع هي الكلمات الوحيدة التي ينطق بها كل ماجلس قبالة الصورة الحبيبة ...
ياحبيبتي تطلعي إلي تحسسي فيني النار
ألا ترين عمري غطاه الغبار
ألا ترين حياتي من طيفك لا تقوى على الفرار
الا ترين انك أصبحت لوجودي القرار
آه ياحبيبة حكمت على القلب بالدمار
وتمضي السنين ويمضي العمر ووجع القلب الحزين ...
ويمضي صاحبنا في خطى نحو المجهول نحو حب حكم عليه بالصمت الأبدي وكانت كلما تاقت نفسه لتلك الحبيبة
يجلس قبالة الصخرة يتحسسها بهذي الأنامل التي نقشتها كانت كل مااصابعه تمس صورة الحبيبة
يشعر وكأن تيارا من الموت قد تغلغل من أصابعه الى دمه وجسده كله وكان كلما نظر إليها ترقرقت الدموع في عينيه
وفترت شفتيه عن ابتسامة حزينة ...وكانت تنهداته تخرج من أعماق قلبه جمرا حارقا يحرق أنفاسه وأنفاس الليل...
وبدا مع مرور الأيام يتراكم العمر على ملامح رسامنا التي كانت ملامحاً تعبر عن روح رسام صادقة
فهكذا كان شعره الذي اخذ دائما وضعا طبيعيا أشعثاً من غير ان يكون له دور في شكله وعينان تشعان رقة وذكاء غامضتان حزينتان ...
ووجه شاحب يعبر عن جاذبية غريبة لايملكها إلا أصحاب القلب الصادق
فأخذت السنين على هذا الوجه الذي كان يخطه الجمال وملامح الحياة الهنيئة تحفر تجاعيدها وأحزانها
التي بالتأكيد كانت قد منحته شحوباً وحزنا أكثر لكن جمالا غامضا اكبر
خصوصا وقد أخذت لحيته وشعره بالنمو الذي ماكان ليأبه او يشعر بذلك وعينيه اللتين ماكنتا في الغالب تتوقفان عن ذرف الدموع
كانت قد ارتسمت بطريقة لايستطيع ناظر إليها إلا وتنتابه رعشة في أعماق أعماقه
تلزمه الصمت والجلال أمامهما وهذه يداه أيضا التي كانت بالتأكيد لها ملامح يد رسام يبرع في استخدام أنامله
بسحر وأسلوب خاص كانت أيضا من جرها لسلاسل الصخرة وراءه ...
ومن آلام العمر قد اتخذت ملامح استثنائية بالإمكان القول أنها ملامح آسرة
وهكذا كان العمر يمضي وكذا جراحه كانت تنزف دما نقيا لتعيد الحياة دائما إلى الحبيبة التي صلبت ملامحها على الصخرة
وبذلك وهن جسده وضعف وأصبحت عافيته تتراجع شيئا فشيئا فنحل الجسد وانحنى الظهر وبرزت العظام وتركت الجراح آثارها عليه ...
مما أدى بصحته إلى الانهيار وبالتالي ماعاد يقوى على السير كثيرا كما اعتاد
وأصبح جر الصخرة عليه حملا كبيرا إلا أنه ماكان ليتخلى عنها لأنها التي كانت تمنحه الأمل...
وفي احد الأيام كما اعتاد صاحبنا الذي كان أحياناً قليلة جدا يمر بالقرى تجنبا لسخرية أهلها منه ومن صخرته
وجد صاحبنا- الذي ماعاد هذا الجسد والقدمين اللتين انحنيا قادرين على التحمل-
نفسه في قرية صغيرة فنظر بنظره الشارد الى ماحوله ثم تابع المسير رغم نظرات الناس والمارة إليه
وأكمل بكل ماتبقى له من قوة جسديه جر الصخرة الحبيبة وبدأ في مشيته يترنح وكأنه سيهوي على الأرض
وفجاه أشاح بنظره إلى الأمام فإذا به بامرأة تقف أمامه بثيابها البسيطه فإذا به يقف في مكانه ولا يتزحزح
وكأن شيئا ما في أعماق أعماقه بدا يرتعش ويتحرك...
شيئا ما عاش حوالي العشرون عاما يئن ويبكي...صورة ما خالدة ...
سحر ما بقي أثره ينتفض ...إذا به أمام عينين يعرفهما منذ أمد بعيد جدا إلا أنهما اقرب إليه من أي شيء آخر
إذا بهما هما اللتين بقيتا ببريقهما تشع بهذا القلب المتأجج رغم مرور الزمن على ملامحها
رغم ضعف بصره من كثرة ماذرف من الدمع إلا أنها الصورة الخالدة في يقينه
والصورة التي دفع آلامه لكي تمضي معه على ملامح الصخرة
هكذا كانت هذه المرأة الحية الخالدة في عالمه هكذا كانت هذه التي يدفع لها من دمه لكي تبقى هي مكان هذا الدم في عروقه ...
ترقرق الدمع في عينيه..
وصرخ قلبه صراخا مؤلما هي التي ليس بإمكان السنين مهما مضت على ملامحها ان ينساها
هي التي دفع من الصمت العميق لها كل مافي جوارحه وكان على استعداد لهذا الثمن لآخر أنفاسه
التي بدأت تتسارع في أنحاء جسده الآن وزاد يقينه هذا الاسم الذي طالما رقص على أوتار مسامعه
وطالما عاش خالدا في أعماقه عندما ناداها احدهم كان وكأنه يعود عشرون عاما للوراء ...
نعم لقد عاد للوراء لان تلك اللحظات لاتتزحزح من ذاكرته وبقيت كل أيامه وماضيه معلقة في تلك اللحظات...
وهكذا فجأة هوى قيد السلسلة التي يجر بها الصخرة من يده وشخصت عيناه
وإذا بصرخة قوية جدا تحمل عبء صمت دام زمناً طويلا تخرج من نزيف جراحه
وإذا به يركض ناحية تلك الحبيبة رغم زفرات أنفاسه الأخيرة وفجأة يتهاوى على الأرض ليسقط
وماكان في أخر لحظات سقوطه إلا ان يمد يده ليدها ليمسك بها ...
تلك اليد وتلك الحبيبة التي ماحظي منها حتى للحظه بنظرة واحدة او لمسة
كانت هذه اليد الآن تساوي كل آلام العمر والدنيا وإذا بشفتيه تفتر عن ابتسامة صادقه حزينة
ما ارتسمت منذ أمد طويل ليتلفظ بآخر وأعظم ماحمل قلبه من حب عميق بكلمات كانت أولى الكلمات
وآخرها لحب يسطر أخر سطوره وآلامه
( كلمتي الأولى والأخيرة لك حفظتها في قلبي عشرون عاما حتى لاتفقد صدقها هي أني فوق الكلمات...أحبك)
ليكون بذلك قد خلد بجملته آخر عطر أنفاسه مفارقا هذه الحياة بكامل سعادته
لأنها كانت هي وحدها والتي عاشت هي وحدها في حياته
وهي وحدها آخر ما أغمض عيناه عنها...